ما الذي يجعل الأنمي مختلفًا عن الكرتون؟

هل الأنمي مجرد كرتون ياباني؟

كثيرًا ما نسمع هذا السؤال: “أليس الأنمي مجرد كرتون ياباني؟”، ولعلّه أكثر الأسئلة التي تُشعل الجدل بين محبي الأنمي والآخرين. ففي نظر الكثيرين، الأنمي لا يختلف كثيرًا عن الرسوم المتحركة التقليدية (الكرتون)، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
في هذا المقال، سنُسلّط الضوء على أبرز الفروقات بين الأنمي والكرتون، من حيث الأسلوب الفني، والمواضيع، والجمهور المستهدف، وغيرها من الجوانب التي تجعل من الأنمي تجربة فريدة تستحق المتابعة.

الفرق في الأسلوب الفني والتفاصيل البصرية

أحد أوضح الفروقات بين الأنمي والكرتون هو الأسلوب الفني.
الأنمي يتميز برسوماته الدقيقة وتفاصيله الجمالية البارزة. الشخصيات عادةً ما تُرسم بعيون واسعة، وتعبيرات وجه معبّرة، وحركات مدروسة بعناية، ناهيك عن الخلفيات التي قد تبدو أحيانًا كلوحات فنية مرسومة باليد.
الأنمي لا يهتم فقط بالشخصيات، بل يعطي الخلفيات والمحيط أهمية كبيرة، مما يجعل كل مشهد يبدو حيًّا ومليئًا بالحياة.

أما الكرتون، خصوصًا الغربي منه، فإنه غالبًا ما يعتمد على البساطة والمبالغة في الرسوم، بخطوط عريضة وحركات أسرع. والغرض من ذلك عادة هو تسهيل الإنتاج أو جعل المحتوى مناسبًا للأطفال من حيث التفاعل البصري البسيط والمباشر.

القصص والمواضيع: العمق مقابل البساطة

هنا يظهر الفارق الجوهري الحقيقي.
القصص في الكرتون غالبًا ما تكون بسيطة، مباشرة، وتنتهي في الحلقة نفسها. الشخصيات نادرًا ما تتغير أو تنمو، والهدف في الغالب هو الإضحاك أو تقديم درس صغير للأطفال.

أما في الأنمي، فالقصص تمتد وتتطور، وقد تستمر على مدار عدة مواسم. هناك أنميات تناقش مواضيع فلسفية عميقة مثل الحرية، الموت، القَدَر، أو حتى الألم النفسي.
خذ مثلًا Death Note، حيث يناقش الصراع بين العدالة والسلطة المطلقة، أو Attack on Titan، الذي يغوص في مفاهيم الحرية، السياسة، والهوية.

الأنمي لا يخجل من طرح الأسئلة الكبرى، ولا يتردد في عرض الجوانب المظلمة من النفس البشرية، مما يجعله أكثر نضجًا من الكرتون في كثير من الأحيان.

الجمهور المستهدف: من يشاهد الأنمي ومن يشاهد الكرتون؟

في الغالب، الكرتون موجه للأطفال.
سواء كانت الحلقات قصيرة أو طويلة، فالرسائل التي يقدمها الكرتون غالبًا ما تكون موجهة للصغار: تعليمية، مرِحة، خفيفة. حتى الكرتونات التي تُعرض للكبار تبقى قليلة مقارنة بعدد الأعمال الموجهة للأطفال.

أما الأنمي، فهو يُنتج لفئات عمرية متعددة. في اليابان، يُصنّف الأنمي حسب الفئة المستهدفة:

  • Shounen (شونين): للشباب، مثل Naruto وOne Piece.
  • Shoujo (شوجو): للفتيات، مثل Sailor Moon.
  • Seinen (سينين): للبالغين، مثل Tokyo Ghoul وBerserk.
  • Josei (جوسي): للنساء البالغات، مثل Nana وParadise Kiss.

وبالتالي، مشاهدة الأنمي ليست حكرًا على الأطفال، بل هناك أعمال موجهة للبالغين وتحتوي على محتوى معقد وعميق لا يناسب الصغار إطلاقًا.

الثقافة اليابانية مقابل الثقافة الغربية

الأنمي يعكس الثقافة اليابانية بوضوح.
من العادات اليومية، إلى الأزياء التقليدية، إلى الطعام، إلى القيم الاجتماعية. عند مشاهدتك للأنمي، فأنت لا تتابع قصة فحسب، بل تكتسب لمحة عن الحياة اليابانية.

في المقابل، الكرتون الغربي يعكس الحياة الغربية، وخصوصًا الأمريكية. سواء في طريقة التفكير، أو طريقة الحوار، أو حتى النكات.
لكن الاختلاف هنا لا يعني أن أحدهما أفضل من الآخر، بل يُظهر تنوعًا ثقافيًا يجعل تجربة مشاهدة الأنمي أكثر ثراءً إذا كنت مهتمًا بالتعرف على ثقافات جديدة.

طريقة الإنتاج وطول الحلقات

الأنمي عادةً ما يُنتج في شكل مواسم، ولكل موسم عدد محدد من الحلقات. القصة غالبًا ما تكون مترابطة ومتصاعدة، تُبنى على مدار الحلقات. هذا يسمح بتطور الشخصيات، وتعمّق القصة بشكل تدريجي.

أما الكرتون، فغالبًا ما تُنتج حلقاته بشكل منفصل، حيث يمكن للمشاهد أن يشاهد أي حلقة دون الحاجة إلى ترتيب معين. وهذا النوع مناسب للأطفال الذين لا يتابعون باستمرار أو لا يستطيعون تتبع القصص الطويلة.

من الناحية الإنتاجية، الأنمي يُنتج في الغالب بجودة عالية، مع مراعاة التفاصيل، بينما الكرتون يُنتج بوتيرة أسرع مع أسلوب أبسط لتوفير الوقت والتكلفة.

هل الكرتون مخصص فقط للأطفال؟

سؤال مشروع. والإجابة هي: ليس دائمًا.
بعض الكرتونات، مثل Rick and Morty أو BoJack Horseman، تتناول مواضيع موجهة للبالغين، ولكنها تظل حالات استثنائية.

في حين أن الأنمي يغطي طيفًا واسعًا من المواضيع والفئات العمرية. بل إن بعض الأنميات لا يُنصح بمشاهدتها لمن هم دون سن 18، نظرًا لاحتوائها على مواضيع حساسة، أو مشاهد عنيفة، أو محتوى نفسي عميق.

إذاً، الفارق ليس في الرسوم فقط، بل في نية العمل وجمهوره المستهدف.

خاتمة: الأنمي ليس مجرد رسوم متحركة

في النهاية، الأنمي ليس مجرد “كرتون ياباني”، بل هو فن بحد ذاته.
يجمع بين الرسم، والموسيقى، والقصة، والثقافة، ليقدّم تجربة فريدة من نوعها.
من يشاهد الأنمي لا يشاهد رسومًا متحركة وحسب، بل يعيش قصصًا تنبض بالحياة، وشخصيات تنمو، وعوالم تفيض بالإبداع.

لذا، في المرة القادمة التي يخبرك فيها أحدهم: “الأنمي مجرد كرتون!”، ابتسم، وقل له:
“الأنمي أكثر من مجرد كرتون… إنه عالم آخر تمامًا!”

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *