صناعة الأنمي في أوج ازدهارها، لكن بأي ثمن؟
شهدت صناعة الأنمي نموًا هائلًا في السنوات الأخيرة، حيث تجاوزت أرباحها حاجز 20.6 مليار دولار عام 2022، وفقًا لتقرير جمعية الرسوم المتحركة اليابانية (AJA). هذا النجاح جاء نتيجة لعودة العروض السينمائية، وزيادة الطلب على خدمات البث مثل نتفليكس وكرانشي رول وأمازون برايم، إضافةً إلى استثمارات ديزني في توزيع وإنتاج الأنمي خارج اليابان. لكن خلف هذا الازدهار، يختبئ جانب مظلم يُلقي بظلاله على المبدعين الذين يصنعون هذه الأعمال التي نعشقها.
“كاروشي”: عندما يؤدي الشغف إلى الموت

في اليابان، يوجد مصطلح خاص يصف الموت بسبب الإفراط في العمل، يُعرف بـ “كاروشي” (過労死). يعود هذا المفهوم إلى عام 1987 عندما بدأت وزارة الصحة اليابانية توثيق حالات وفاة ناجمة عن الإرهاق الشديد وأمراض القلب والسكتات الدماغية بين الموظفين.
وتشير الإحصائيات إلى أن العاملين في اليابان يعملون أكثر من 15 ساعة يوميًا، إضافة إلى أربع ساعات في التنقل. وقد تفاقمت الأزمة في قطاع الأنمي، حيث يواجه رسامو الأنمي والمانغا ضغطًا هائلًا وساعات عمل طويلة دون تعويض مادي عادل، مما دفع بعضهم إلى حافة الانهيار الجسدي والعقلي.
رواتب زهيدة رغم الأرباح الطائلة

قد تعتقد أن هذا النجاح الاقتصادي سينعكس على العاملين في المجال، لكن الحقيقة غير ذلك. رغم أن صناعة الأنمي تحقق أرباحًا ضخمة، فإن الرسامين والمحررين يحصلون على رواتب أقل من الحد الأدنى الوطني. العديد منهم يعملون بنظام الدفع حسب المشروع، مما يعني أنهم لا يحصلون على أجر ثابت، وإذا لم ينجزوا العمل في الوقت المحدد، فقد لا يحصلون على أجرهم على الإطلاق. يُقال إن أوسامو تيزوكا، مبتكر “أسترو بوي”، وضع معيارًا للأجور المنخفضة منذ الستينيات، وهو ما استمر لعقود طويلة حتى اليوم.
هل هناك أمل في التغيير؟

مع تزايد وعي الجماهير بالمشاكل التي يعاني منها المبدعون، بدأت بعض المبادرات للحد من استغلالهم. لكن حتى الآن، لا تزال صناعة الأنمي محكومة بقوانين السوق الرأسمالية، حيث يؤدي الطلب المتزايد إلى زيادة ساعات العمل، مما يُفاقم الأزمة.
وفي ظل إقبال بعض المبدعين اليابانيين على العمل مع استوديوهات صينية وكورية تقدم أجورًا أعلى وظروفًا أفضل، قد تجد اليابان نفسها أمام أزمة نقص في المواهب مستقبلًا، مما يستدعي إعادة النظر في أوضاع العاملين في هذا المجال.
ختامًا: معضلة الحب والاستغلال
بينما نحتفل بنجاحات الأنمي ونتابع أعمالًا مثل One Piece Film Red وJujutsu Kaisen وSPY X FAMILY، من المهم أن ندرك أن وراء هذه الإبداعات فريقًا من المبدعين يعملون في ظروف قاسية.
الصناعة التي نحبها قد تكون قاتلة لأولئك الذين يكرسون حياتهم لها. فهل ستشهد السنوات القادمة تغييرًا جذريًا يضمن حقوق هؤلاء الفنانين، أم سيظل الوجه المظلم لصناعة الأنمي قائمًا؟
المصادر: Erzat, BBC, Korean Times, Cartoon Brew, Borgen Project
اقرأ أيضاً:
مستقبل صناعة الأنمي: هل تتجه إلى الهاوية أم القمة؟